كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يجوز أن يكون عطفًا على جملة {ما قطعتم من لينة} [الحشر: 5] الآية فتكون امتنانًا وتكملة لمصارف أموال بني النضير.
ويجوز أن تكون عطفًا على مجموع ما تقدم عطفَ القصة على القصة والغرض على الغرض للانتقال إلى التعريف بمصير أموال بني النضير لئلا يختلف رجال المسلمين في قسمته.
ولبيان أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة أموال بني النضير هو عدلٌ إن كانت الآية نزلت بعد القسمة وَمَا صْدَقُ {ما أفاء الله} هو ما تركوه من الأرض والنخل والنقض والحطب.
والفَيء معروف في اصطلاح الغزاة، ففعل أفاء أعطَى الفيء، فالفيء في الحروب والغارات ما يظفر به الجيْشُ من متاع عدوّهم وهو أعم من الغنيمة ولم يتحقق أئمة اللغة في أصل اشتقاقه فيكون الفيء بقتال ويكون بدون قتال، وأما الغنيمة فهي ما أخذ بقتال.
وضمير {منهم} عائد إلى {الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} [الحشر: 2] الواقع في أول السورة وهم بنو النضير.
وقيل: أريد به الكفار، وأنه نزَّلَ في فيء فدك فهذا بعيد ومخالف للآثار.
وقوله: {فما أوجفتم عليه} خبر عن (ما) الموصولة قرن بالفاء لأن الموصول كالشرط لتضمنه معنى التسبب كما تقدم آنفًا في قوله: {فبإذن الله} [الحشر: 5].
وهو بصريحه امتنان على المسلمين بأن الله ساق لهم أموال بني النضير دون قتال، مثل قوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25]، ويفيد مع ذلك كناية بأن يقصد بالإِخبار عنه بأنهم لم يُوجفوا عليه لازمُ الخبر وهو أنه ليس لهم سبب حقَ فيه.
والمعنى: فما هو من حقّكم، أو لا تسألوا قسمته لأنكم لم تنالوه بقتالكم ولكن الله أعطاه رسوله صلى الله عليه وسلم نعمة منه بلا مشقة ولا نصَب.
والإِيجاف: نوع من سَير الخيل.
وهو سَير سريع بإِيقاع وأريد به الركض للإِغارة لأنه يكون سريعًا.
والركابُ: اسم جمع للإِبل التي تُرْكبُ.
والمعنى: ما أغرتم عليه بخيل ولا إبل.
وحرف (على) في قوله تعالى: {فما أوجفتم عليه} للتعليل، وليس لتعدية {أوجفتم} لأن معنى الإِيجاف لا يتعدى إلى الفيء بحرف الجر، أو متعلقٌ بمحذوف هو مصدر {أوجفتم}، أي إيجافًا لأجله.
و{مِن} في قوله: {من خيل} زائدة داخلة على النكرة في سياق النفي ومدخول {مِن} في معنى المفعول به ل {أوجفتم} أي ما سقتم خيلًا ولا ركابًا.
وقوله: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} استدراك على النفي الذي في قوله تعالى: {فما أوجفتم عليه} لرفع توهم أنه لا حقّ فيه لأحد.
والمراد: أن الله سلط عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فالرسول أحق به.
وهذا التركيب يفيد قصرًا معنويًا كأنه قيل: فما سلطكم الله عليهم ولكن سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله تعالى: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} إيجاز حذف لأن التقدير: ولكن الله سلط عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم والله يسلط رُسله على من يشاء وكان هذا بمنزلة التذييل لعمومه وهو دال على المقدر.
وعموم {من يشاء} لشمول أنه يسلط رسله على مقاتلين ويسلطهم على غير المقاتلين.
والمعنى: وما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو بتسليط الله رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم والله يسلط رسله على من يشاء.
فأغنى التذييل عن المحذوف، أي فلا حقّ لكم فيه فيكون من مال الله يتصرّف فيه رسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور من بعده.
فتكون الآية تبيينًا لما وقع في قسمة فيء بني النضير.
ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسمه على جميع الغُزاة ولكن قسمه على المهاجرين سواء كانوا مِمَّن غزوا معهُ أم لم يغزوا إذ لم يكن للمهاجرين أموالٌ.
فأراد أن يكفيهم ويكفي الأنصار ما مَنحوه المهاجرين من النخيل.
ولم يعط منه الأنصار إلا ثلاثة لشدة حاجتهم وهم أبو دَجانة (سِماك بن خزينة)، وسَهلُ بن حنيف، والحارث بن الصِّمَّة.
وأعطى سعد بنَ معاذ سيفَ أبي الحُقيق، وكل ذلك تصرّف باجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله جعل تلك الأموال له.
فإن كانت الآية نزلت بعد أن قسمت أموال النضير كانت بيانًا بأن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ، أمره الله به، أو جعله إليه، وإن كانت نزلت قبل القسمة، إذ روي أن سبب نزولها أن الجيش سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخميس أموال بني النضير مثل غنائم بدر فنزلت هذه الآية، كانت الآية تشريعًا لاستحقاق هذه الأموال.
قال أبو بكر ابن العربي: لا خلاف بين العلماء أن الآية الأولى خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي هذه الآية الأولى من الآيتين المذكورتين في هذه السورة خاصة بأموال بني النضير، وعلى أنها خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء.
وبذلك قال عمر بن الخطاب بمحضر عثمان، وعبد الرحمان بن عوف، والزبير، وسعد، وهو قول مالك فيما روَى عنه ابن القاسم وابن وهب.
قال: كانت أموال بني النضير صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمسها.
واختُلف في القياس عليها كل مال لم يوجف عليه.
قال ابن عطية: قال بعض العلماء وكذلك كل ما فتح الله على الأيمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة. اهـ.
وسيأتي تفسير ذلك في الآية بعدها.
{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}
جمهور العلماء جعلوا هذه الآية ابتداء كلام، أي على الاستئناف الابتدائي، وأنها قصد منها حكم غير الحكم الذي تضمنته الآية التي قبلها.
ومن هؤلاء مالك وهو قول الحنفية فجعلوا مضمون الآية التي قبلها أموالَ بني النضير خاصة، وجعلوا الآية الثانية هذه إخبارًا عن حكم الأَفيَاء التي حصلت عند فتح قرىً أخرى بعد غزوة بني النضير.
مثل قريظة سنة خمس، وفَدككٍ سنة سبع، ونحوهما فعيّنته هذه الآية للأصناف المذكورة فيها، ولا حق في ذلك لأهل الجيش أيضًا وهذا الذي يجري على وفاق كلام عمر بن الخطاب في قضائه بين العباس وعلي فيما بأيديهما من أموال بني النضير على احتمال فيه، وهو الذي يقتضيه تغيير أسلوب التعْبير بقوله هنا: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} بعد أن قال في التي قبلها {وما أفاء الله على رسوله منهم} [الحشر: 6] فإن ضمير {منهم} راجع ل {الذين كفروا من أهل الكتاب} [الحشر: 2] وهم بنو النضير لا محالة.
وعلى هذا القول يجوز أن تكون هذه الآية نزلت عقب الآية الأولى، ويجوز أن تكون نزلت بعد مدة فإن فتح القُرى وقع بعد فتح النضير بنحو سنتين.
ومن العلماء من جعل هذه الآية كلمة وبيانًا للآية التي قبلها، أي بيانًا للإِجمال الواقع في قوله تعالى: {فما أوجفتم عليه من خيل} الآية [الحشر: 6]، لأن الآية التي قبلها اقتصرت على الإِعلام بأن أهل الجيْش لا حقّ لهم فيه، ولم تبين مستحقَّه وأشعر قوله: {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} [الحشر: 6] أنه مَالٌ لله تعالى يضعه حيث شاء على يد رسوله صلى الله عليه وسلم فقد بيّن الله له مستحقّيه من غير أهل الجيش.
فموقع هذه الآية من التي قبلها موقع عطف البيان. ولذلك فصلت.
وممن قال بهذا الشافعيّ وعليه جرى تفسير صاحب الكشاف.
ومقتضى هذا أن تكون أموال بني النضير مما يُخَمّس ولم يرو أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمّسها بل ثبت ضدُّه، وعلى هذا يكون حكم أموال بني النضير حكمًا خاصًا، أو تكون هذه الآية ناسخة للآية التي قبلها إن كانت نزلت بعدها بمدة.
قال ابن الفرس: آية {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى}.
وهذه الآية من المشكلات إذا نُظرت مع الآية التي قبلها ومع آية الغنيمة من سورة الأنفال.
ولا خلاف في أن قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم الآية} [الحشر: 6] إنما نزلت فيما صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال الكفار بغير إيجاف، وبذلك فسّرها عُمر ولم يخالفه أحد.
وأما آية الأنفال فلا خلاف أنها نزلت فيما صار من أموال الكفار بإيجاف، وأما الآية الثانية من الحشر فاختلف أهل العلم فيها فمنهم من أضافها إلى التي قبلها، ومنهم من أضافها إلى آية الأنفال وأنهما نزلتا بحكمين مختلفين في الغنيمة الموجف عليها، وأن آية الأنفال نسخت آية الحشر.
ومنهم من قال: إنها نزلت في معنى ثالث غير المعنيين المذكورين في الآيتين: واختلف الذاهبون إلى هذا: فقيل نزلت في خراج الأرض والجزية دون بقية الأموال، وقيل نزلت في حكم الأرض خاصة دون سائر أموال الكفار (فتكون تخصيصًا لآية الأنفال) وإلى هذا ذهب مالك.
والآية عند أهل هذه المقالة غير منسوخة.
ومنهم من ذهب إلى تخيير الإمام. اهـ.
والتعريف في قوله تعالى: {من أهل القرى} تعريف العهد وهي قرى معروفة عُدّت منها: قريظة، وفَدَك، وقرى عُرينة، واليُنْبُع، ووادي القُرى، والصفراء، فتحت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واختلف الناس في فتحها أكان عنوة أو صلحًا أو فَيئًا.
والأكثر على أن فَدَك كانت مثل النضير.
ولا يختص جعله للرسول بخصوص ذات الرسول صلى الله عليه وسلم بل مثله فيه أئمة المسلمين.
وتقييد الفيء بفيء القرى جَرى على الغالب لأن الغالب أن لا تفتح إلا القرى لأن أهلها يحاصَرون فيستسلمون ويعطُون بأيديهم إذا اشتد عليهم الحصار، فأما النازلون بالبوادي فلا يُغلبون إلا بعد إيجاف وقتال فليس لقيد {من أهل القرى} مفهوم عندنا، وقد اختلف الفقهاء في حكم الفيء الذي يحصل للمسلمين بدون إيجاف.
فمذهب مالك أنه لا يخمَّس وإنما تخمس الغنائم وهي ما غنمه المسلمون بإيجاف وقتال.
وذهب أبو حنيفة إلى التفصيل بين الأموال غير الأرضين وبين الأرضين.
فأما غير الأرضين فهو مخمّس، وأما الأرضون فالخيار فيها للإِمام بما يراه أصلح إن شاء قسّمها وخمس أهلها فهم أرقاء، وإن شاء تركها على ملك أهلها وجعل خراجًا عليها وعلى أنفسهم.
وذهب الشافعي إلى أن جميع أموال الحرب مخمّسة وحمل حكم هاته الآية على حكم آية سورة الأنفال بالتخصيص أو بالنسخ.
وذهب أبو حنيفة إلى التفصيل بين الأموال غير الأرضين وبين الأرضين.
فأما غير الأرضين فهو مخمّس، وأما الأرضون فالتفويض فيها للإِمام بما يراه أصلح إن شاء قسّمها وخمس أهلها فهم أرقاء، وإن شاء أقرّ أهلها بها وجعل خراجًا عليها وعلى أنفسهم.
وهذه الآية اقتضت أن صنفًا مما أفاء الله على المسلمين لم يجعل الله فيه نصيبًا للغزاة وبذلك تحصل معارضة بين مقتضاها وبين قصر آية الأنفال التي لم تجعل لمن ذكروا في هذه الآية إلا الخمس، فقال جمع من العلماء: إن آية الأنفال نسخت حكم هذه الآية.
وقال جمع: هذه الآية نسخت آيةَ الأنفال.
وقال قتادة: كانت الغنائم في صدر الإِسلام لهؤلاء الأصناف الخمسة ثم نسخ ذلك بآية الأنفال، وبذلك قال زيد بن رومان: قال القرطبي ونحوه عن مالك. اهـ.